سورة النمل - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{وَإِنَّهُ} وإن القرآن {لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤمِنِينَ} لمن أنصف منهم وآمن أي من بني إسرائيل أو منهم ومن غيرهم {إِن رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُم} بين من آمن بالقرآن ومن كفر به {بِحُكْمِهِ} بعدله لأنه لا يقضي إلا بالعدل فسمى المحكوم به حكماً، أو بحكمته ويدل عليه قراءة من قرأ {بحكمه} جمع حكمة {وَهُوَ العزيز} فلا يرد قضاؤه {العليم} بمن يقضي له وبمن يقضي عليه أو العزيز في انتقامه من المبطلين العليم بالفصل بينهم وبين المحقين {فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} أمره بالتوكل على الله وقلة المبالاة بأعداء الدين {إِنَّكَ عَلَى الحق المبين} وعلل التوكل بأنه على الحق الأبلج وهو الدين الواضح الذي لا يتعلق به شك، وفيه بيان أن صاحب الحق حقيق بالوثوق بالله وبنصرته {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعاء إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ وَمَا أَنتَ بِهَادِى العمى عَن ضلالتهم} لما كانوا لا يعون ما يسمعون ولا به ينتفعون، شبهوا بالموتى وهم أحياء صحاح الحواس، وبالصم الذين ينعق بهم فلا يسمعون، وبالعمي حيث يضلون الطريق ولا يقدر أحد أن ينزع ذلك عنهم ويجعلهم هداة بصراء إلا الله تعالى. ثم أكد حال الصم بقوله {إذا ولوا مدبرين} لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن تولى عنه مدبراً كان أبعد عن إدراك صوته، {ولا يسمع الصُّمُّ} مكي وكذا في (الروم) {وَمَا أَنتَ تَهْدِى العمى} وكذا في (الروم): حمزة {إِنْ تُسْمعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بآياتنا} أي ما يجدي إسماعك إلا على الذين علم الله أنهم يؤمنون بآياته أي يصدقون بها {فَهُم مُّسْلِمُونَ} مخلصون من قوله {بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} [البقرة: 112] يعني جعله سالماً لله خالصاً له.


{وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم} سمى معنى القول ومؤداه بالقول وهو ما وعدوا من قيام الساعة والعذاب، ووقوعه حصوله والمراد مشارفة الساعة وظهور أشراطها وحين لا تنفع التوبة {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مّنَ الأرض تُكَلّمُهُمْ} هي الجساسة، في الحديث: طولها ستون ذراعاً لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب، ولها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان. وقيل: لها رأس ثور وعين خنزير وأذن فيل وقرن أيّل وعنق نعامة وصدر أسد ولون نمر وخاصرة هرة وذنب كبش وخف بعير، وما بين المفصلين اثنا عشر ذراعاً تخرج من الصفا فتكلمهم بالعربية فتقول: {أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} أي لا يوقنون بخروجي لأن خروجها من الآيات وتقول: ألا لعنة الله على الظالمين. أو تكلمهم ببطلان الأديان كلها سوى دين الإسلام، أو بأن هذا مؤمن وهذا كافر. وفتح {أن} كوفي وسهل على حذف الجار أي تكلمهم بأن، وغيرهم كسروا لأن الكلام بمعنى القول، أو بإضمار القول أي تقول الدابة ذلك ويكون المعنى بآيات ربنا أو حكاية لقول الله تعالى عند ذلك. ثم ذكر قيام الساعة فقال: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمَّةٍ فَوْجاً} {من} للتبعيض أي واذكر يوم نجمع من كل أمة من الأمم زمرة {مّمَّن يُكَذّبُ} (من) للتبيين {بئاياتنا} المنزلة على أنبيائنا {فَهُمْ يُوزَعُونَ} يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا ثم يساقون إلى موضع الحساب وهذه عبارة عن كثرة العدد، وكذا الفوج عبارة عن الجماعة الكثيرة {حتى إِذَا جَآءُو} حضروا موقف الحساب والسؤال {قَالَ} لهم تعالى تهديداً {أكذبتم بآياتي} المنزلة على رسلي {وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً} الواو للحال كأنه قال: أكذبتم بآياتي بادئ الرأي من غير فكر ولا نظر يؤدي إلى إحاطة العلم بكنهها وأنها حقيقة بالتصديق أو بالتكذيب {أَمَّاذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} حيث لم تتفكروا فيها فإنكم لم تخلقوا عبثاً.


{وَوَقَعَ القول عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ} أي يغشاهم العذاب الموعود بسبب ظلمهم وهو التكذيب بآيات الله فيشغلهم عن النطق والاعتذار كقوله: {هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} [المرسلات: 35]
{أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا اليل لِيَسْكُنُواْ فِيهِ والنهار مُبْصِراً} حال، جعل الإبصار للنهار وهو لأهله والتقابل مراعى من حيث المعنى لأن معنى {مبصراً} ليبصروا فيه طرق التقلب في المكاسب {إِنَّ فِى ذلك لآيات لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يصدقون فيعتبرون، وفيه دليل على صحة البعث لأن معناه ألم يعلموا أنا جعلنا الليل والنهار قواماً لمعاشهم في الدنيا ليعلموا أن ذلك لم يجعل عبثاً بل محنة وابتلاء ولا بد عند ذلك من ثواب وعقاب فإذا لكم يكونا في هذه الدار فلا بد من دار أخرى للثواب والعقاب {وَيَوْمَ} واذكر يوم {يُنفَخُ فِى الصور} وهو قرن أو جمع صورة والنافخ إسرافيل عليه السلام {فَفَزِعَ مَن فِى السماوات وَمَن فِى الأرض} اختير (فزع) على (يفزع) للإشعار بتحقق الفزع وثبوته وأنه كائن لا محالة، والمراد فزعهم عند النفخة الأولى حين يصعقون {إِلاَّ مَن شَاء الله} إلا من ثبت الله قلبه من الملائكة قالوا: هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام لأنه صعق مرة، ومثله {وَنُفِخَ فِى الصور فَصَعِقَ مَن فِى السماوات وَمَن فِى الأرض إِلاَّ مَن شَاء الله} (الزمر: 68) {وَكُلٌّ أَتَوْهُ} حمزة وحفص وخلف، {اتوه} غيرهم وأصله (آتيوه) {داخرين} حال أي صاغرين ومعنى الإتيان حضورهم الموقف ورجوعهم إلى أمره تعالى وانقيادهم له.
{وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا} بفتح السين: شامي وحمزة ويزيد وعاصم، وبكسرها: غيرهم حال من المخاطب {جَامِدَةً} واقفة ممسكة عن الحركة من جمد في مكانه إذا لم يبرح {وَهِىَ تَمُرُّ} حال من الضمير المنصوب في {تحسبها} {مَرَّ السحاب} أي مثل مر السحاب والمعنى أنك إذا رأيت الجبال وقت النفخة ظننتها ثابتة في مكان واحد لعظمها وهي تسير سيراً سريعاً كالسحاب إذا ضربته الريح، وهكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد إذا تحركت لا تكاد تبين حركتها كما قال النابغة في صفة جيش.
بأرعن مثل الطود تحسب أنهم *** وقوف الحاج والركاب تهملج
{صُنْعَ الله} مصدر عمل فيه ما دل عليه {تمر} لأن مرورها كمر السحاب من صنع الله فكأنه قيل: صنع الله ذلك صنعاً وذكر اسم الله لأنه لم يذكر قبل {الذى أَتْقَنَ كُلَّ شَئ} أي أحكم خلقه {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} {يفعلون} مكي وبصري غير سهل وأبو بكر غير يحي، وغيرهم بالتاء أي أنه عالم بما يفعل العباد فيكافئهم على حسب ذلك.
ثم لخص ذلك بقوله:

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11